د / محمد عمارة
إن جذور "المسيحية ـ الصهيونية" التي تحالفت ـ ولا تزال ـ مع "اليهودية ـ الصهيونية" ضد الإسلام وعالمه.. والتي أقامت الكيان الصهيوني على أرض فلسطين.. والتي تسعى سعيًا محمومًا للإجهاز على عروبة القدس وإسلاميتها، وهدم الأقصى، وإقامة الهيكل اليهودي على أنقاضه، وذلك حتى يعود المسيح فيحكم العالم ألف سنة سعيدة!.. إن جذور هذه "المسيحية ـ الصهيونية" إنما يعود إلى نشأة البروتستانتية في إطار النصرانية الغربية.
لقد أدخل "مارتن لوثر" (1483 ـ 1546م) "المكون اليهودي" إلى النصرانية، فأصبح "العهد القديم" ـ كتاب اليهود ـ مقدسًا مع "العهد الجديد" ـ كتاب النصارى ـ.. وقال ـ في كتابه (المسيح يهوديًا).. الذي صدر سنة 1523م:
إن الروح القدس أنزل كل أسفار الكتاب المقدس عن طريق اليهود وحدهم. وإن اليهود هم أبناء الله، ونحن الضيوف والغرباء، ولذلك فإن علينا أن نرضى بأن نكون كالكلاب التي تأكل مما يتساقط من فتات مائدة أسيادها"!..
ومنذ ذلك التاريخ تحولت "الأساطير" إلى "عقائد" في اللاهوت البروتستانتي، الذي يحكم العقل والوجدان لصناعة القرار في أشهر الإمبراطوريات الاستعمارية الغربية ـ وخاصة انجلترا وأمريكا ـ ثم زحفت هذه الأساطير ـ "العقائد" على النصرانية الكاثوليكية، تحت ضغط الابتزاز الصهيوني للفاتيكان".
ولقد تبلورت هذه "الأساطير ـ العقائد" في ثلاثة عناوين:ـ
أولها: أن اليهود هو أبناء الله وشعبه المختار.
وثانيها: أن ثمة ميثاقًا إلهيًا يربط اليهود بالأرض المقدسة في فلسطين.
وثالثها: ربط الإيمان المسيحي بعودة المسيح ـ كي يحكم العالم ألف سنة سعيدة ـ بقيام دولة صهيون.
وهذه "المبادئ ـ الأساطير" التي أثمرت تيار "المسيحية ـ الصهيونية" في الحضارة والثقافة الغربية، فكانت إقامة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين "عقيدة مسيحية" يمهد تحقيقها لتحقيق أساطير العودة والألفية السعيدة.. وبعد أن خمدت هذه العقيدة مسيطرة على كثيرين من صناع القرار السياسي في عدد من الدول الغربية، بدا تحقيقها حلا للعنصرية الغربية التي سادت كثيرًا من المجتمعات الغربية ضد اليهود.. كما بدا تحقيقها مصلحة استعمارية غربية من وراء إقامة كيان صهيوني في قلب الوطن العربي، هو عبارة عن قاعدة "عسكرية ـ وحضارية" للغرب الاستعماري، تقطع وحدة أرض العالم العربي، وتكون بمثابة شريك أصغر للإمبريالية الغربية و"كلب حراسة" غربي، يجهض محاولات النهوض والتقدم للعرب والمسلمين.
هكذا بدأت فكرة وعقيدة المسيحية الصهيونية، مشروعًا بروتستانتيًا.. وتعهدًا استعماريًا.. وهو التخلص من اليهود في البلاد الغربية، بتهجيرهم إلى فلسطين.. فيما تلاقت هذه الأفكار بمقاصد الصهيونية اليهودية.. تبلور هذا التحالف بين الصليبية وبين الصهيونية، وكان حدوث هذا الذي حدث على أرض فلسطين.
ولقد قال "بنيامين نتنياهو" ـ عندما كان سفيرا لإسرائيل بالأمم المتحدة ـ في خطابه أمام الجمعية العامة ـ في فبراير سنة 1985م، عن استغلال الصهيونية لهذه المسيحية الصهيونية في تحقيق المقاصد المشتركة.. لكل منهما:
إن كتابات المسيحيين الصهيونيين ـ من الإنجليز والأمريكان ـ أثرت بصورة مباشرة على تفكير قادة تاريخيين، مثل "لويد جورج" (1863 ـ 1945م) و"بلفور" (1848 ـ 1930م) و"ولسون" (1856 ـ 1924م) في مطلع القرن العشرين.. وإن حلم اللقاء العظيم ـ (عودة المسيح) ـ أضاء شعلة خيالات الرجال، الذين لعبوا دورًا رئيسيًا لإحياء الدولة اليهودية.. لقد تفجر الحلم اليهودي من خلال المسيحيين الصهيونيين"!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق